تشير الدلائل الى أن انتقال العائلات العلوية التي تقطن المحافظات السورية وهجرتها نحو مناطق الساحل التي تسيطر على معظمها الطائفة العلوية، هو خطوة باتجاه عزل المنطقة والهيمنة عليها.
إيلاف: يرى الكاتب خيرالله خيرالله في التركيز على شن الهجمات على مدينة حمص من قبل قوات النظام السوري ، هدفًا يسعى اليه النظام وهو أن البديل للحلّ الامني يتمثل في اقامة دولة علويّة قابلة للحياة تشكّل حمص العقبة الابرز على طريق قيامها ورسم حدودها.
وحمص هي ثالث اكبر مدينة سورية بعد دمشق وحلب كما أنها لا تبعد عن حماة، المدينة السنّية الأخرى التي ثارت في العام 1982 سوى نحو خمسة وأربعين كيلومترًا.
ويؤكد خيرالله في مقاله الذي نشرته صحيفة الرأي الكويتية أن المواقف الروسية والايرانية، تكشف أن هناك من "يدعم التوجه نحو تقسيم سوريا، خصوصًا أن النظام السوري الذي عرفناه منذ العام 1970 انتهى عمليًا في ظلّ استمرار الثورة وامتدادها وتوسّعها.
هذا ما يفسّر الى حد كبير كلّ هذا التركيز على حمص وكأن معركة حمص صارت معركة الدولة العلوية التي يرفضها قسم لا بأس به من العلويين".
ويقرأ الكاتب صمود حمص على أنه " تصميم على قطع الطريق على أي محاولة لتقسيم سوريا وتفتيتها واعادتها الى نظام الوصاية العائلي- البعثي".
وكان المعارض السوري غسان عبيدو صرح بأن "النظام السوري بدأ بالفعل في رسم الدولة العلوية، وأن أتباع النظام السوري يُشيعون أن في الساحل وبعض جباله غازًا ونفطًا وربما يورانيوم وماساً، ليقنعوا العلويين أنه ستكون لهم دولة غنية".
وتشير الدلائل الى أن انتقال العائلات العلوية التي تقطن المحافظات السورية وهجرتها نحو مناطق الساحل التي تسيطر على معظمها الطائفة العلوية، هو خطوة باتجاه عزل المنطقة والهيمنة عليها.
وقال عبيدو: " شرفاء الطائفة العلوية يرفضون الانصياع خلف دعوات الانفصال"، مؤكدًا أن السوريين أبناء وطن واحد رغم تعدد طوائفهم ومذاهبهم.
ويبحث زين الشامي في ثنايا التاريخ فيجد أنها "ليست هي المرة الاولى في تاريخ سوريا التي يطرح فيها موضوع الدولة العلوية، فالمرة الاولى كانت في شهر ايلول عام 1923 حين اعلنت دولة الانتداب الفرنسي على سوريا قيام الدولة العلوية وعاصمتها مدينة اللاذقية على الساحل السوري ووقتها، وحسب ما اعلنت سلطات الانتداب، كان من المفترض أن تضم تلك الدولة اجزاءً من محافظات طرطوس وحمص وحماة اضافة الى اللاذقية". وتتناقل الاخبار تصريحات ضباط ومسؤولين من الطائفة العلوية، بضرورة تأسيس مثل هذه الدولة، متذرعين بما تتعرض له بعض المناطق في محافظات حمص وحماة واللاذقية وطرطوس من قمع وحشي وقتل وتهجير للسكان.
وشهدت محافظة حمص وسط البلاد العديد من المجازر التي راح ضحيتها المئات من ابنائها، كمجزرة حي كرم الزيتون والحولة اضافة الى الهجوم العسكري الذي دام اكثر من شهر على حي بابا عمرو وسط المدينة.
وكانت نتيجة المعارك الطاحنة سقوط الآلاف من ابناء المدينة ونزوح عشرات الآلاف منهم باتجاه محافظات حماة وحلب ودمشق وريفها، اضافة الى اولئك الذين فروا الى لبنان.
اما اليوم فتبدو العشرات من احياء المدينة أو القرى والمناطق المجاورة، شبه خالية من اهلها.
ويذكّر الشامي في مقاله في جريدة الرأي الكويتية "بإصرار قوات النظام السوري على اقتحام وتهجير اهالي مناطق معينة في حمص وريفها مثل سهل الحولة الذي تجاوره بعض القرى العلوية والشيعية اضافة الى مدن الرستن وتلبيسة والقصير ايضًا ، كذلك تحدث البعض عن عمل قوات ومرتزقة النظام السوري على تهجير نحو خمس قرى من ريف حماة، ويضربون مثالاً على ذلك مجزرة القبير التي راح ضحيتها نحو مئة شخص".
ويتابع " في اللاذقية شهدت منطقة الحفة السنية ومعها قرية سلمى عملية عسكرية لقوات النظام كان من نتيجتها مقتل المئات من ابناء المنطقة من الطائفة السنية ونزوح عشرات الآلاف منهم الى مناطق جسر الشغور في ادلب والى الحدود التركية".
ويعتبر الشامي هذه الاحداث بمثابة خطوات باتجاه " المخطط، وهو تأسيس دولة علوية في المستقبل".
لكن الذين يعتقدون بقيام الدولة العلوية يرون معوقات ربما تحول دون تحقيق ذلك منها وجود غالبية سنية، ولهذه يصبح التهجير القسري للأغلبية جوابًا لهذه التساؤلات ، فقد قصف حي الرمل الفلسطيني في مدينة اللاذقية، ثم كانت البداية الحقيقية لتنفيذ التهجير و إفراغ المدن هي كلمة بشار الاسد عندما قال إن سوريا تتعرض لمخطط لتقسيمها.
لكن الشامي يشير الى أن الحقيقة على الارض سوف تجعل "من الصعوبة بمكان تأسيس مثل هذه الدولة حتى لو افترضنا أن هناك نية أو مشروعًا معدًا لها، بحيث يهرب اليها الرئيس الحالي في حال اجبر على الرحيل من السلطة بفعل قوى الثورة في الداخل أو بموجب حل اقليمي ودولي متفق عليه".
وبحسب الشامي، فإن اولى الحقائق على الارض السورية هي "الحقيقة الديموغرافية أو الواقع الديموغرافي السكاني المتعلق بالهوية الطائفية والدينية لتلك المناطق التي يفترض أن تكون ضمن حدود الدولة العلوية.
الواقع الديموغرافي هو واقع بالغ التعقيد والتشابك، في كل من محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة، ففي اللاذقية يختلط السنة والعلويون والمسيحيون في العديد من المدن والقرى، اختلاطًا يكاد يكون تامًا، مثل مدينة اللاذقية ، وهي العاصمة المفترضة للدولة العلوية المفترضة التي تسكنها غالبية سنية واقليتان علوية ومسيحية. كذلك مدينة جبلة المجاورة التي تسكنها غالبية سنية وتحوط بها قرى علوية ومسيحية وسنية ايضًا، وهذا التوزع يشبه تمامًا ما هي عليه مدينة الحفة السنية التي يحيط بها بعض القرى العلوية. الشيء نفسه ينطبق على مدينة بانياس في طرطوس التي تسكنها غالبية من السنة واقلية من العلويين ومحاطة بقرى علوية وسنية ومسيحية. ايضًا في محافظتي حمص وحماة، هناك غالبية سنية في المدينتين وقرى ومدن محيطة بهما متعددة ومتنوعة من الناحيتين الطائفية والدينية".إن هذا التداخل يفترض تهجيرًا قسريًا للملايين من السكان أو عمليات تطهير عرقي بحق طائفة معينة، وهي طائفة ليست قليلة أو اقلية، ولعل ذلك يستحيل تحقيقه واقعيًا، لأسباب كثيرة اولها، يتعلق بقدرات النظام السوري على فعل ذلك، وثانيهما أن العالم جميعه يراقب ما يحصل في سوريا، حيث ان قتلاً او تهجيرًا جماعيًا لطائفة أو جماعة سورية ما قد يجمع القوى الدولية العظمى كلها رغم كل خلافاتها ضد نظام الرئيس الاسد للعمل على اسقاطه.
لكن هناك من العلويين انفسهم من يرفض قيام دولة طائفية ، فقد قال الشيخ محمود قدور في لقاء مع تلفزيون الجديد اللبناني إن "العلويين حاربوا الفرنسيين واسقطوا مشروع الدولة العلوية في الماضي واليوم سنحارب العالم من اجل عدم قيام مثل هذه الدولة".اما من حيث الحقائق الجغرافية على الأرض فيبدو ضربًا من المستحيل أن تعيش وتحيا دولة ضمن محيط وحدود كلها معادية من الناحية الطائفية، فهناك تركيا السنية في الشمال، ادلب وحلب السنيتان في الشرق، حماة وحمص من الجنوب الشرقي، وايضًا طرابلس اللبنانية السنية في جنوبها.
وكان رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان حذر من أن الرئيس السوري بشار الأسد يخطط لإنشاء دولة علوية على الساحل السوري.
وأكد مثل هذا التوجه عبدالحليم خدام وهو أعمدة نظام الرئيس الأب حافظ الأسد قبل أن يغادر إلى المنفى معارضاً.
كما تحدثت تقارير دولية عن عمليات نقل وتخزين للأسلحة الثقيلة والسلع الاستراتيجية في مناطق الساحل السوري.
ويرى الكاتب هاني رسلان أن التوجهات تحمل فى طياتها "خطراً حقيقياً للتقسيم والحرب الأهلية وقيام عمليات فرز طائفي تعيد سوريا إلى عهد الانتداب الفرنسي الذي كان يخطط لتقسيمات من هذا النوع، الأمر الذى سوف يشمل لبنان وتقسيمه أيضاً إلى دويلات، ويتماس مع الأوضاع غير المستقرة في العراق حيث توجد دولة كردية في الشمال لا تنقصها إلا عضوية الأمم المتحدة بينما مظاهر الصراع السني الشيعي تحت حكم المالكي تزداد اتساعًا يوماً بعد يوم."
الكاتب عبد الله بن بجاد العتيبي يذكّر بأن "موضوع الطائفية كان حاضرًا بقوة في تاريخ سوريا الحديث ".
وفي العهد العثماني كانت معارضة الشعب والمفكرين العرب حينها ترتكز على معارضة العثمانيين باعتبارهم "مستبدين ودون أي حضور للبعد الطائفي" ، غير أن بعض الأقليات كان لديها شعور آخر بأن ذلك كان "حكمًا أجنبيًا"، وهذا التفريق يوضحه ما تجلى لاحقًا في زمن الانتداب الفرنسي لسوريا حين سعى الى بناء دويلة للأقليات وعلى رأسها الأقلية العلوية في جبال العلويين، هذه المنطقة التي تم تغيير اسمها لاحقا لتصبح اللاذقية، فقد سعى الانتداب الفرنسي حينها لتجنيد أبناء الأقليات في الجيش عبر (القوات الخاصة للشرق الأدنى) التي أنشأها ورعاها، في زمن كان أهل المدن السنيون يحتقرون العمل في الجيش كمهنة وهو ما أضر بهم لاحقًا، وقد أدت تلك القوات إلى تأسيس تقليد عسكري علوي أصبح مركزيًا في صعود الطائفة اللاحق (باتريك سيل: ص69).
ويقلب العتيبي صفحات التاريخ فيشير الى " قيام حافظ الأسد بعد انقلاب البعث 1963 بتصفيات متتالية لضباط الجيش كالتالي: تصفية أبرز الضباط السنيين 1966 والدروز 1966 والحورانيين 1966 - 1968 والإسماعيليين 1968 – 1969 ، ثم اعتمد الأسد إلى حد كبير بعد 1971 على ضباط من عائلته الشخصية أو عشيرته أو أبناء المناطق المجاورة لقريته (نيقولاس فان دام: الصراع على السلطة في سوريا: ص131) حيث ذكر بتفاصيل موثقة قصة هذا الانتقال والتصفيات مع أرقام إحصائية جديرة بالقراءة والتحليل".وفي دول مجاورة لسوريا مثل العراق ، يتأثر بصورة مباشرة بأي تغييرات سياسية بدوافع طائفية أو قومية ، فإن تصريحات السياسيين فيه تؤكد القلق الكبير من التغييرات المحتملة في سوريا ، لاسيما وأن العراق يعاني من تجاذبات طائفية سنية – شيعية وصراعات قومية عربية كردية ، سيكون للمستقبل السوري دور في بلورة اتجاهاتها ، وفي هذا الصدد يتنبأ النائب عن ائتلاف دولة القانون أمين هادي "أن تغيير النظام في سوريا سينعكس سلباً على الوضع في البلد، ذلك لأن الحكومة الحالية في رأيه، غير مهيأة لتداعيات هذا التغيير، نتيجة لكثرة الازمات والمشاكل الموجودة على الساحة السياسية". وبحسب هادي فإن " هناك تناغماً بين المناطق الغربية للعراق مع المناطق الشرقية في سوريا، وكذلك مناطق الأكراد في سوريا والعراق، لذا بدأت اكثر الاقليات السورية تتنفّس من الاطراف الخارجية وتطلب اللجوء من الدول المحاذية لسوريا ومنها العراق".
وزاد هادي القول "إن هناك احتمالاً أن يتراجع النظام في سوريا الى المناطق المؤيدة له وهي (منطقة العلويين) وانشاء دولة علوية في حال لم يستطع السيطرة على الوضع الداخلي لأغلب مناطق سوريا وبالتالي يحدث تقسيم للأراضي السورية، وهذا احد السيناريوهات المحتملة والمعدة لسوريا".