….. واستولى عبدالناصر على السلطة - ترجمة لمقال الصحفي بيير ويس من كتاب " ملفات سرية خاصة بأفريقيا المعاصرة "

….. واستولى عبدالناصر على السلطة




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
هذه
ترجمة كاملة عن الفرنسية لمقال الصحفي بيير ويس الذي نشر في الجزء الثاني
من كتاب " ملفات سرية خاصة بأفريقيا المعاصرة "وهو الكتاب الثالث عشر من
سلسلة كتب مجلة Jeune Afrique Livres 1989/ . (Collection ACTUEL)
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

إن مسار ، إن لم نقل مصير، الثورة المصرية قد تحدد بدون شك بين شهري فبراير
وأبريل من عام 1954 ، ففي خلال تلك الأسابيع انتهت الأزمة القائمة بين
الرئيس محمد نجيب وجمال عبد الناصر .
إن
تلك الأحداث قد كتب عنها الكثير، إذ أنها قد غيرت مصير البلد والمنطقة
والعالم العربي، إلا أن الكثير من التساؤلات ما تزال حية حيالها.
وسوف نحاول بعد كل تلك العقود إعادة وصف تلك الحادثة الرئيسية – وغير المعروفة – من تاريخ الشرق الأوسط .
في
بداية عام 1954 كان قلة من المصريين يعرفون البكباشي جمال عبد الناصر على
الرغم من كونه قائد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكم الملكي في مصر .
منذ
1949 تمتع جمال عبد الناصر، رغم صغر سنه، بمكانة مؤكدة لدى الجيش المصري.
لقد تميز في حرب فلسطين وجرح في صدره في شهر يونيو 1948 وعندما عاد إلى
جبهة القتال بعد عدة أسابيع برز في القتال وخاصة في معركة الفالوجة ( قرب
غزة ) في اكتوبر 1948 التي خاضها برفقة الضباط عبد الحكيم عامر و زكريا محي
الدين وصلاح سالم، وهم نواة حركة الضباط الأحرار التي سوف تستولي على
السلطة في مصر .
إن المقاومة التي أبدتها القوات المصرية المحاصرة قد أنقذت شرف الجيش المصري ، ومنحت الضباط القوميين رمزاً قوياً لحركتهم .
في
شهر مارس 1955 سوف يشير الرئيس عبد الناصر إلى الوضع في الفالوجة ويشبه به
وضع مصر التي ( يحاصرها الأعداء ) ويطمع فيها الطامعون.
إن
الشعور بأن المرء قد طعن من الخلف ، وهو شعور متكرر في أمكنة وأزمنة أخرى
من التاريخ ، قاد عبد الناصر بعد نهاية حرب فلسطين إلى تأسيس
"
لجنة الضباط الأحرار " التي ضمت اثنا عشر ضابطاً يجمعهم الغضب تجاه فساد
حكم الملك فاروق : عبد الحكيم عامر ، جمال سالم ، صلاح سالم ، خالد محي
الدين ، زكريا محي الدين ، عبد اللطيف البغدادي ، حسن إبراهيم ، حسين
الشافعي ، يوسف صديق ، كمال الدين حسين ، عبد المنعم أمين ، وأنور السادات
الخليفة المستقبلي لعبد الناصر . ومن هذه المجموعة، التي طغت عليها شخصية
جمال عبد الناصر، تكوّن التنظيم السري الذي سينضم إليه مئات الضباط عند
اندلاع ثورة يوليو 1952.
في عام 1949 لم يكن اللواء أركان حرب محمد نجيب قد أنضم بعد إلى المؤامرة ولكنه كان يتمتع بتقدير كبير لدى جيل الضباط الشبان. عندما
فرضت بريطانيا على الملك فاروق تعيين الزعيم الوفدي النحاس باشا رئيساً
للوزراء لوقف ميل مصر نحو قوات المحور ، قدم محمد نجيب استقالته من الجيش
وشرح سبب ذلك في رسالة مشهورة إلى الملك يقول فيها : " بما أن الجيش لم يعد
قادراً على حماية جلالتكم فإنني أشعر بالعار من الانتماء إليه " .
رفض
الملك الاستقالة ولكن محمد نجيب اكتسب اسماً في الأوساط الوطنية المصرية،
وقد زادت شعبيته أثناء حرب فلسطين والتي جرح فيها ثلاث مرات.
بعد
الحرب أصبح محمد نجيب - الذي كان يقود آنذاك سلاح المشاة – أحد أبرز قادة
الجيش المصري ، وأخذ يكتب مقالات باسم مستعار ( الجندي المجهول ) في المجلة
الأسبوعية روز اليوسف يهاجم فيها فساد الطبقات الحاكمة، ويطالب بإحداث
إصلاح في قلب الجيش المصري . إن
شجاعة ونزاهة محمد نجيب، وهما صفتان نادرتان في ضباط الجيش المصري الكبار،
قد رشحتاه ليكون الرمز القيادي الذي التف حوله الضباط الأحرار .
إن
عبد الناصر ورفاقه قد طمحوا في وقت مبكر إلى جعل حركتهم، عندما يحن وقت
العمل ، تظهر تحت قيادة ضابط ذي اسم ورتبة يضمنان تأييد الشعب للحركة .ومع
ذلك فإن محمد نجيب لم يُطلع على تفاصيل خطة الانقلاب التي أعدها عبد
الناصر - بتصميم وعزم – منذ عام 1949 على أن تنفذ عام 1954 ؛ كان محمد نجيب
يعرف فقط أن انشقاقاً داخل الجيش على وشك الحدوث ، وذلك على الأقل من خلال
قراءته للمناشير التي كانت توزع في ثكنات الجيش .
ولكن
التعاطف لا يعني التواطؤ والمشاركة الفعلية، وعليه فإنه يجب أن نقبل ببعض
التحفظ ما أورده نجيب في مذكراته المعنونة ( مصير مصر –1955) والتي يؤكد
فيها انضمامه للحركة عام 1949 ورئاسته لها . إذا كان هذا صحيحاً فكيف نفسر
إنه في 23 يوليو 1954 عرض الضباط على محمد نجيب تولي السلطة بدلاً من أن
يتولاها هو بنفسه دون أي عرض منهم ؟ صحيح أن الحركة، منذ يناير 1952، بدت مستقرة في اختيارها: أن محمد نجيب سيكون حامل لوائها.
لقد
أحس عبد الناصر أن محمد نجيب هو الضابط الوحيد القادر على منافسة مرشح
الملك اللواء حسين سري أمير لرئاسة نادي الضباط ذي المكانة الرفيعة. لقد
كان اللواء حسين سري أمير يمثل في عيون الضباط الأحرار انحلال وفساد
المؤسسة العسكرية. تم اختيار محمد نجيب لرئاسة النادي بأغلبية ساحقة ، و
أظهر هذا الاختيار شعور الضباط تجاه القصر ، الأمر الذي أدركه الملك فاروق
فقام بإلغاء الانتخاب وفرض تغيير مرشحه اللواء حسين سري أمير .
إن
اللواء حسين سري أمير سيكون هدف محاولة الاغتيال الوحيدة التي خطط لها عبد
الناصر وهو الذي كان يرفض من ناحية المبدأ الالتجاء إلى الأعمال
الإرهابية.
لقد أطلق البكباشي وبعض رفاقه النار على سري أمير بينما كان يتجول في سيارته إلا أنه نجا من الموت .
منح
الضباط الأحرار أنفسهم خمس سنوات للإعداد لإسقاط النظام، ولكن الثورة في
مصر وغيرها لا تخضع للتخطيط، كما أن تسارع الأحداث أرغم عبد الناصر ورفاقه
على تعديل جدولهم الزمني.
وعلى
خلفية أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة ، تعود ضمن أسباب أخرى إلى انهيار
أسعار القطن ، فإن حرب الاستنزاف بين البريطانيين والمصريين في منطقة
القناة أخذت منحى دراماتيكياً في منتصف يناير 1952 بعد فشل المفاوضات
البريطانية – المصرية حول إدخال مصر في منطقة دفاع الشرق الأوسط وإلغاء
البرلمان المصري بتاريخ 19 أكتوبر 1951 لاتفاقيات عام 1899 الخاصة بالسودان
والمعاهدة البريطانية المصرية المبرمة في 26 أغسطس 1936 .
بتاريخ
25 يناير 1952 هاجمت القوات البريطانية ثكنة بوليس الإسماعيلية مما خلف
خمسين قتيلاً . ردت القاهرة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع لندن واشتد الغضب
والانفعال في كل مصر . وفي يوم 26 يناير ، والذي أصبح يعرف فيما بعد باسم "
السبت الأسود " ، اندلعت اضطرابات شعبية عنيفة في القاهرة كان هدفها
الرموز الوطنية أو الأجنبية " للمؤسسة " : لقد هوجمت واحرقت الفنادق
الكبيرة والبنوك وصالونات الشاي ودور السينما..الخ . إن أسرار حريق القاهرة
لم تكشف بعد كلها .
رغم
أن تورط الأطراف المعارضة في هذه الحوادث – وخاصة الشيوعيون والأخوان
المسلمون – يكاد يكون أكيداً ،غير أن الانفجار الذي هز العاصمة المصرية
حينذاك شهد على مدى غضب الطبقات المسحوقة في البلد الذي تتجاور فيه مظاهر
البؤس المدقع الذي تعيش فيه الأغلبية مع مظاهر الغنى المتعجرف لقلة من
الأشخاص .
كان
الوضع كما وصفه فيما بعد مارسل كولومب، وهو مراقب جيد لشؤون الشرق الأوسط
،عندما قال " إن السبت الأسود لم يكن مجرد يوم انتفاضة وتمرد، وإنما كان
أنقاض نظام وبقايا متفحمة لمجتمع منهك وذليل يئن تحت حطام العاصمة المصرية
المتصاعد منه الدخان " .
أما
بالنسبة للضباط الأحرار، الذين أخذتهم أحداث يوم 26 يناير المجنون على حين
غرة، فقد كانت الإشارة واضحة : يجب الإسراع في العمل قبل أن تستغل جهة
أخرى السخط الشعبي لصالحها.
لقد
حدد ميعاد الانقلاب في شهر مارس، ولكن الموعد أجل بسبب خروج العقيد رشيد
مهنا من التنظيم وهو الذي كان لوحداته دور أساسي في خطة الانقلاب.
يروي
أحد الضباط الأحرار وهو ثروت عكاشة في مقال مشهور نشره عام1955 في صحيفة
التحرير ، مشهداً تاريخياً كان شاهداً عليه يوم 10 يونيو 1952 : "جاء جمال
وخالد محي الدين إلى منزلي وطلبا مني ، كالعادة ، تشغيل اسطوانة سيمفونية "
شهر زاد " لرمسكي – كورساكوف . سرعان ما عمل سحر السيمفونية عمله ،وكان
جمال يستمع بانتباه وبعيون حالمة . وعند اللحن الأخير وقف ورفع ذراع
الإلكتروفون وأعلن بطريقة مفاجئة : " سوف نضرب في بداية الشهر القادم " . "ولكن
الضباط الأحرار عجلوا بالحركة عندما علموا في 20 يوليو بالتعيين الوشيك
لعدوهم اللدود اللواء حسين سري أمير وزيراً للحرب وبالإعداد لموجة اعتقالات
في صفوف الجيش. على
الرغم من احتياطات عبد الناصر ، فإن المؤامرة التي كان يعد لها منذ ثلاث
سنوات ، قد بدت على وشك الانكشاف ، وشعر " شباب تركيا الفتاة " المصريون
بحلقات الشبكة تضيق من حولهم .
في مساء 22 يوليو استولى عبد الناصر ورفاقه على النقاط الإستراتيجية في القاهرة والمدن الرئيسية الأخرى .
لقد استولت على القاهرة وحدات العقيد أحمد شوقي، وهو قريب لمحمد نجيب، وكذلك وحدات الملازم يوسف صديق . خلال
عدة ساعات سقطت مصر، كثمرة ناضجة في يد الضباط الشبان، إذ احتلت النقاط
الإستراتيجية دون صعوبة؛ الأمر الذي يشهد عليه قلة عدد ضحايا الانقلاب وهو
قتيلان وسبعة جرحى فقط.
إن الضباط الأحرار لم يتوجهوا نحو محمد نجيب إلا بعد أن أحكموا سيطرتهم على الأمور. قبل شهر كان محمد نجيب قد عرض خدماته بوضوح على الحركة عندما قال لثروت عكاشة " استخدموني في أي مستوى وسوف أساعدكم" . عند الساعة الثالثة والنصف صباحاً من يوم 23 يوليو ذهب الضباط الأحرار إلى بيت محمد نجيب وعرضوا عليه منصب القائد الأعلى للجيش.
سوف
يبرر السادات فيما بعد هذا العرض برغبة الانقلابيين في " ترك مكان الشرف
والصدارة لرجل أكبر منهم سناً " . ولكن الدافع الحقيقي كان خلع الشرعية على
الانقلاب وخاصة تجاه القوى الغربية التي لم تحرك ساكناً، واكتفت بأن طلبت
من الضباط الأحرار ضمان سلامة العائلة المالكة ومنح فاروق خروجاً لائقاً من
البلاد.
إن
طريقة عبد الناصر في معالجة فترة " الانتقال " الثورية أظهرت للمرة الأولى
مدى مهارته السياسية. كان موضوع معاملة الملك مثار جدل في لجنة الضباط
الأحرار قبل يوم 22 يوليو. لقد طالب رفاق عبد الناصر بإعدام الملك ولكنه
نجح في فرض تكتيك حازم ودقيق يقود إلى إلغاء الملك نفسه لسلطته.
لم يستغرق الأمر أكثر من ثلاثة أيام .
بتاريخ
23 يوليو صار محمد نجيب رئيساً لهيئة جديدة هي " مجلس الثورة " المكون من
اثنا عشر عضواً : عبد الناصر – عبد الحكيم عامر - الأخوين سالم – الأخوين
محي الدين – كمال الدين حسين – حسن إبراهيم – عبد اللطيف البغدادي – أنور
السادات وحسين الشافعي . في اليوم التالي كلف على ماهر ، وهو من رجالات النظام القدي