ذو الشـــري :
تذكر المصادر التاريخية بأنة كان للعرب ألهة سميت بأسماء أماكن معينة أهمها اثنان : ذو الشري وذو الخلصة. ولا ندري تماماً إلى أي مكان انتسب الاله (ذو الشري) ، فالمواضع التي كان لها( الشري) أسماء كثيرة من بينها ما ذكره المؤرخ ياقوت الحموي في معجم البلدان قائلاً : (والشري موضع عند مكة شعر مليح الهذلي...) (194) .
وهناك من يقول أن إسم (ذو الشري) موضع عند مكة في السراة (195). وجبال السراة هي السلسلة الجبلية التي تمتد على البحر الأحمر في الحجاز ولم تذكر المصادر التاريخية أو الروايات التاريخية أية تفاصيل عن الاله (ذو الشري) وعن صفاته وخصائصه، أما ابن الكلبي ذكر قائلاً: بأن ذو الشري الها كان لبني الحارث بن يشكر بن حبشر من الأسد) (196).
ويظهر أن المواضع التي حملت إسم ذو الشري كانت على العموم خصبة وأشبه بالواحات ومثل هذه المواضع الخصبة في بلاد العرب الجدباء لا يستبعد أن يصبح مركز عباده ، وقد ورد اسمه في الحديث النبوي وكذلك ورد بين أسماء العرب الجاهلي مثل " عبد ذي الشري (197) . وفي الكتابات النبطية ورد اسم " ذي الشري " مع اسم الآلهة " هبل " و" مناه" مما يدل على أنه من الآلهة المعروفة عند العرب (198).
وقد ذكر بعض الباحثين بأن الأنباط كانوا يعبدون الشمس عبادة خاصة ، وكان لهم في عاصمتهم "بتراء- Petra" معبد كبير لا كرامها وكانوا يدعونها باسم أخر وهو ذو الشري أي الإله "المنير" .. (199) .
وقد كان ا" ذي الشري " يعبد لدى الأنباط وهو على شكل حجر أسود خام ذي أربعة أضلاع ، يبلغ طوله أربعة أقدام وعرضه قدمين . وكان دماء ضحاياه تصب عليه أو أمامه وكانت تحته قاعدة ذهبية ، كما كان يتألف معبده كله بالذهب وبالهبات التي كانت تنذر له (200) .
ذو الخلصـــة :
تشير المصادر التاريخية إلى أن الالهة " ذو الخلصة " كان ذا مكانة رفيعة تفوق مكانة(ذو الشري) في أوساط العرب الجاهلين ولربما كانت هناك منافسة شديدة بينه وبين أرفع بيت ديني عند العرب ألا وهو حرم مكة أو البيت الحرام .
وقد كان " ذو الخلصة " يسمى الكعبة اليمانية ، والبيت الحرام يسمى الكعبة الشامية (201) . وقد كان " ذو الخلصة " موجوداً في مدينة (تباله) ، بين مكة واليمن ، وكان سدنته من بني أمامه بن باهلة وكانت تعظمه وتقدسه قبيلة " خثعم" وبجيلة وأزد السراة وأقرباءهم من بطون العرب من هوازن (202) .
وتذكر الروايات التاريخية أن " ذو الخلصة " كان على شكل حجر بيضاء منقوشة عليها شكل تاج (203) . وأن الذي نصبت هذه الحجرة هو عمرو بن لحي الخزاعي ، وأن العرب كانوا يقدمون لذي الخلصة الهدايا مثل الشعير والحنطة ويصبون عليه اللبن ويذبحون له القرابين (204) .
وقد كان ل " ذو الخلصة " بيت أو معبد يحج إليه الناس ويقصدونه للاستقسام عنده بالأزلام ـ إلهام ـ وكانت له ثلاثة أقداح ـ سهام ـ وهي : الأمر ، والنهي ، والمتربص (205) .
وما عدى هذه الروايات التاريخية هناك بعض المعلومات التي تفيد بأن (ذو الخلصة) اسم للبيت الذي كان فيه الحجر . وقيل اسم البيت هو الخلصة . واسم الصنم\الحجر ذو الخلصة (206) . ولربما هذا الكلام كان فيه نوع من الصحة كما هو الحال مع " العزى " ومعبدها . وبكلمة أخرى قد يكون ذو الخلصة هو المعبد الذي يحتوي على الحجر الأبيض المنقوش . والذي هو الصنم نفسه ، ويرى المؤرخ جواد علي : بأن العرب من عبدة " ذو الخلصة " كانوا يطوفون حول كعبة أو بيت هذا الاله وكان في داخل هذا البيت صنم\حجر يدعى الخلصة (207) .
ويبدوا أن طواف العرب حول " ذو الخلصة " يشبه ذلك الطواف الذي كان يتم في مكة ، أي الطواف حول الكعبة التي كان في داخلها الحجر الأسود .
أن " ذو الخلصة " ظل قائماً ومقدساً لدى بعض القبائل العربية حتى ظهور الإسلام وبعد قيام الرسول بفتح مكة وتحطيم أصنامها ، فقد ذكرت الروايات التاريخية بأن الرسول عندما سمع ببقاء " ذو الخلصة " قام في عام (632 ميلادية) بتجهيز حملة عسكرية بقيادة جرير بن عبد الله البجلي لتحطيمه . وقد خاض البجلي وجماعته قتال شديد ضد قبائل خثعم وباهلة التي كانت تدافع عن " ذو الخلصة " وبعد الانتصار قام البجلي وجماعته بهدم " ذو الخلصة " وتم إحراق معبده بالنار وقتل من فيه من حراس وسدنته (208) .
ويرى بعض المؤرخين والباحثين العرب بأن جرير بن عبد الله البجلي لم يتمكن من هدم بنيان " ذو الخلصة " كله لضخامته وأنه أكتفي بهدم قسم من ذلك البناء وأنه هدم ودمر الأصنام التي كانت في داخل ذلك البناء أي في داخل معبد " ذو الخلصة " أما جدران هذا المعبد فقد ظلت قائمة حتى بداية القرن العشرين،
والدليل على ذلك هو أن الملك عبد العزيز آل سعود عندما أستولي على الحجاز أمر بتحطيم بقايا المعابد الوثنية وإخضاع القبائل العربية القاطنة في سراة الحجاز ، بحجة أن هذه القبائل كانت تحاول العودة إلى البدع والخرافات والتقاليد الدينية التي كانت سائدة قبل الإسلام ، وكانت بقايا معبد " ذو الخلصة " من تلك الابنية التي شملها هذا التدمير والتحطيم في هذه الفترة (209) .
وبهذا انتهت آثار معبد" ذو الخلصة " والتي ظلت قائمة منذ القرن السابع الميلادي .