قد تكون العادات والتقاليد رهن تصرفات الكثير من الاشخاص، لا سيما
المحافظين من سكان الريف والقرى الجبليّة، الا ان التطور والتقدم في العلم
والثقافة والفنون كسر هذا الحاجز ليخرج من تلك المناطق مبدعون/ات يتخطون
خيالك وعقلك المحصور داخل بضعة سنتيمترات في الجمجمة.
في بادئ الأمر، كان المشهد عادياً، شباب/ات انضموا إلى فرقة "دبكة" لاحياء
التراث الريفي الذي اشتهر به اللبناني منذ عقود، يحيون الحفلات والافراح،
يقدمون لوحات فلكلورية تعتبر "هويتهم"، خبطة على الأرض وقفزة في السماء
يرافقها قرع الطبول المنذرة بفرحٍ آتٍ، هكذا بدأت القصة مع "أفراح غروب"
منذ سنوات، قضيتها الأساسية الزفّة التي تقدم للعروس والعريس قبيل دخولهم
القفص الذهبيّ.
طموح مؤسس الفرقة "مجدي ذبيان" لم تتسع لهذه الرقعة الصغيرة من الوطن،
والوقت المسموح خلال الأعراس لا يسمح للفرقة بتقديم كل ما لديها، ولان
الافكار تتخاطر في باله، قرر قبل شهر واحد من هذا العرض ان يقدم مسرحية
راقصة لجمهوره، ولان المسرح اللبناني يعاني من الركود والكسل، كان لا بد من
بعض المبادرات البناءة للتقدم، فرعت السيدة نورا جنبلاط "حكاية حلم" العرض
الراقص الذي قدمته فرقة "أفراح غروب" على خشبة مسرح قصر فخر الدين والذي
تم تجهيزه قبل ايام من العرض خصيصاً لهذه المناسبة.
خمسة وثلاثون راقص وراقصة، قفزوا بهيستيريا على المسرح كاسرين جميع القيود
التي طوقتهم لسنين مضت. جسدت الفرقة الراقصة صراع الشر والخير عبر رقصات
عربية وغربية، الكل كان يطمع بالملكة "علياء"، تلك الجشعة التي تريد ان
تحكم هي وحدها، تبارزت الحضارات على مرأى من عينها، الحضارة الرومانية
والفرعونية والمكسيكية واللاتينية والفرنسية والاميركية والأفريقية
والفينيقيّة، اعصار من الرقص يدور على خشبة المسرح في خطوات اتقنها
راقصوها.
هو أشهر من النار على العلم، ممثل قدير،
جسد في العرض الراقص شخصية "الضمير" الذي يجب ان يعود اليه الانسان في كل
وقت، وعن مشاركته قال الممثل جهاد الأطرش: "عندما اخبرني مجدي عن العمل،
وقال لي ان الكاتب هو محمد نابلسي والمخرج سامر الكردي، تشجعت كثيراً
للمشاركة معهم، المشروع كان تكبيرا لعملهم من اجل التقدم والانتقال من
العمل الصغير إلى العروض الراقصة"، وعن المسرحية قال: "ما شاهدتموه كان
تجسيد للاسقاطات التي تجري في العالم. هي صراع سياسي وازمات بين الشعوب
وثورة حضارات، حكم القوي على الضعيف، كانت هي محاولة لاسقاط كل هذه
النظريات، وجسدت علياء "حفيدتي" الأميرة التي تستنجد بي "التاريخ – الزمن –
الضمير" لانصحها باللجوء إلى الحياة والجمال. المقصود ان الحياة هي جميلة
وعلى الانسان الالتفات إلى جمالياتها".
المفاجأة كانت بعد انتهاء العرض
الذي امتد لساعة ونيّف تقريباً، عندما اخبرنا مدير الفرقة "مجدي ذبيان" ان
العرض تم التحضير له فقط منذ ثلاثين يوماً. اذا الفرقة قدمت عرضا مذهلا
مقارنة مع المدّة الزمنيّة التي تم التحضير لها من قبل. وما ميّز العرض هو
دقّة انتقاء اللباس الذي تناسب مع كل حضارة ورقصة، تمايل الراقصون برشاقة
كالريش ورفرفوا في الهواء ليذهلوا الحاضرين الذين وقفوا وصفقوا لهم دون كلل
او ملل لحظة انتهاء كل مقطوعة. الانارة لعبة دورها بشكل مميز، لا سيما في
التوقيت وبالتزامن مع الموسيقى التي جددت، فالنغمات التي تراقص عليها
الفريق هي نغمات مألوفة لكن تم تجديدها لتتناسب مع العرض. استطاع "جبل
لبنان" كعادته ان يقدم للبنانيين عرضاً مميزاً نأمل ان نراه على مسارح
بيروت وطرابلس والجنوب، في محاولة لزيادة الوعي الثقافي لدى البشر ولاعادة
احياء مسارحنا التي رقص عليها اهم الفرق العالمية منذ سنين مضت.
المصدر : منتدى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] - قسم [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]